فصل: فيه مسائل

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **


وعن جندب مرفوعا‏:‏ ‏(‏حد الساحر ضربة بالسيف‏)‏‏.‏ رواه الترمذي، وقال‏:‏ ‏(‏الصحيح أنه موقوف‏)‏ ‏[‏أخرجه الترمذي في ‏(‏الحدود، باب ما جاء في الساحر‏)‏، و الطبراني في ‏(‏الكبير‏)‏ ‏(‏رقم 1665‏)‏، والدار قطني ‏(‏3/114‏)‏، والحاكم‏(‏4/360‏)‏‏.‏ قال الترمذي‏:‏ ‏(‏لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه، وإسماعيل بن مسلم الملكي يضعف في الحديث و الصحيح عن جندب موقوفا‏)‏‏.‏ وقال الحافظ في ‏(‏الفتح‏)‏ ‏(‏10/236‏)‏‏:‏ ‏(‏إسناده ضعيف‏)‏، وضعفه الألباني ‏(‏السلسلة الضعيفة ‏(‏3/641‏)‏‏.‏

‏]‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعن جندب‏)‏‏.‏ ليس هوجندب بن عبد الله البجلي، بل جندب الخير المعروف بقاتل الساحر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مرفوعا‏)‏؛ أي‏:‏ إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيكون من قول النبي عليه الصلاة والسلام، لكن نقل المؤلف عن الترمذي قوله‏:‏ والصحيح أنه موقوفا، أي‏:‏ من قول جندب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حد الساحر ضربة بالسيف‏)‏ حده يعني‏:‏ عقوبته المحددة شرعا‏.‏

وظاهره أنه لا يكفر؛ لأن الحدود تطهر المحدود من الإثم‏.‏

والكافر إذا قتل على ردته؛ فالقتل لا يطهره‏.‏

وهذا محمول على ما سبق‏:‏ أن من أقسام السحر مالا يخرج الإنسان عن الإسلام، وهوما كان بالأدوية والعقاقير التي توجب الصرف والعطف وما أشبه ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ضربة بالسيف‏)‏‏.‏ روي بالتاء بعد الباء، وروي بالهاء، وكلاهما صحيح، لكن الأولى أبلغ؛ لأن التنكير وصيغة الوحدة يدلان على أنها ضربة قوية قاضية‏.‏

وفي ‏(‏صحيح البخاري‏)‏ عن بجالة بن عبدة؛ قال‏:‏ ‏(‏كنت عمر بن الخطاب رضي الله عنه‏:‏ أن اقتلوا كل ساحر وساحرة‏)‏‏.‏ قال‏:‏ ‏(‏فقلنا ثلاث سواحر‏)‏ ‏[‏أخرجه الإمام أحمد في ‏(‏المسند‏)‏ ‏(‏1/190‏)‏، وأبو داود في ‏(‏السنن‏)‏ ‏(‏3043‏)‏‏.‏‏]‏‏.‏

هذا كناية عن القتل، وليس معناه أن يضرب بالسيف مع ظهره مصفحا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي صحيح البخاري‏)‏‏.‏ ذكر في الشرح ـ أعني ‏(‏تفسير العزيز الحميد‏)‏ ـ أن هذا اللفظ ليس في ‏(‏البخاري‏)‏، والذي في ‏(‏البخاري‏)‏ أنه‏:‏ ‏(‏أمر بأن يفرق بين كل ذي محرم من المجوس‏)‏ ‏[‏البخاري‏:‏ كتاب الجزية / باب الجزية و الموادعة‏.‏‏]‏؛ لأنهم يجوزون نكاح المحارم ـ والعياذ بالله؛ فأمر عمر أن يفرق بين ذوي الرحم ورحمه، لكن ذكر الشارح صاحب ‏(‏تيسير العزيز الحميد‏)‏‏:‏ أن القطيعي رواه في الجزء الثاني من ‏(‏فوائده‏)‏،

وفيه‏:‏ ‏(‏ثم اقتلوا كل كاهن وساحر‏)‏، وقال ‏(‏أي‏:‏ الشارح‏)‏‏:‏ إسناده حسن‏.‏

قال‏:‏ وعلى هذا فعزو المصنف إلى البخاري يحتمل أنه أراد أصله لا لفظه‏.‏ ا هـ‏.‏

وهذا القتل هل هو حد أم قتله لكفره‏؟‏

يحتمل هذا وهذا بناء على التفصيل السابق ‏[‏تقدم ‏(‏ص 490‏)‏‏.‏‏]‏ في كفر الساحر، ولكن بناء على ما سبق من التفصيل نقول‏:‏ من خرج به السحر إلى الكفر فقتله قتل ردة، ومن لم يخرج به السحر إلى الكفر من باب دفع الصائل يجب تنفيذه حيث رآه الإمام‏.‏

والحاصل‏:‏ أنه يجب أن تقتل السحرة، سواء قلنا بكفرهم أم لم نقل؛ وصح عن حفصة رضي الله عنها؛ ‏(‏أنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها، فقتلت‏)‏ ‏[‏الإمام مالك في ‏(‏الموطأ‏)‏ ‏(‏كتاب العقول، باب ما جاء في الغيلة و السحر‏)‏‏.‏‏]‏‏.‏ وكذلك صح عن جندب ‏[‏البخاري في ‏(‏التاريخ الكبير‏)‏ ‏(‏2/222‏)‏، و البيهقي ‏(‏8/136‏)‏، والطبراني في ‏(‏الكبير‏)‏ ‏(‏1725‏)‏‏.‏‏]‏‏.‏ قال أحمد‏:‏ عن ثلاثة من أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏.‏

لأنهم يمرضون ويقتلون، ويفرقون بين المرء وزوجه، وكذلك بالعكس؛ فقد يعطفون فيؤلفون بين الأعداء، ويتوصلون إلى أغراضهم؛ فإن بعضهم قد يسحر أحدا ليعطفه إليه وينال مأربه منه، كما لو سحر امرأة ليبغي بها، ولأنهم كانوا يسعون في الأرض فسادا؛ فكان واجبا على ولي الأمر قتلهم بدون استتابة ما دام انه لدفع ضررهم وفظاعة أمرهم، فإن الحد لا يستتاب صاحبه، متى قبض عليه وجب أن ينفذ فيه الحد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال أحمد عن ثلاثة من أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏)‏‏.‏

وهم‏:‏ عمر، وحفصة، وجندب الخير؛ أي‏:‏ صح قتل الساحر عن ثلاثة من أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏.‏

والقول بقتلهم موافق للقواعد الشرعية؛ لأنهم يسعون في الأرض فسادا، وفسادهم من أعظم الفساد؛ فقتلهم واجب على الإمام، ولا يجوز للإمام أن يتخلف عن قتلهم؛ لأن مثل هؤلاء إذا تركوا وشأنهم انتشر فسادهم في أرضهم وفي أرض غيرهم، وإذا قتلوا سلم الناس من شرهم، وارتدع الناس عن تعاطي السحر‏.‏

* فيه مسائل

الأولى‏:‏ تفسير آية البقرة‏.‏ الثانية‏:‏ تفسير آية النساء‏.‏ الثالثة‏:‏ تفسير الجبت والطاغوت والفرق بينهما‏.‏ الرابعة‏:‏ أن الطاغوت قد يكون من الجن وقد يكون من الإنس‏.‏ الخامسة‏:‏ معرفة السبع الموبقات المخصوصات بالنهي‏.‏

فيه مسائل

* الأولى‏:‏ تفسير آية البقرة؛ وهي قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاق‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ من الآية102‏]‏؛ أي‏:‏ نصيب؛ ومن لا خلاق له في الآخرة؛ فإنه كافر؛ إذ كل من له نصيب في الآخرة فإن مآله إلى الجنة‏.‏

* الثانية‏:‏ تفسير آية النساء؛ وهي قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوت‏]‏ ‏[‏النساء‏:‏ من الآية50‏]‏، وفسر عمر الجبت بالسحر والطاغوت بالشيطان، وفسر بأن الجبت‏:‏ كل ما لا خير فيه من السحر وغيره‏.‏

* الثالثة‏:‏ تفسير الجبت والطاغوت والفرق بينهما؛ وهذا بناءً على تفسير عمر رضي الله عنه‏.‏

* الرابعة‏:‏ أن الطاغوت قد يكون من الجن، وقد يكون من الإنس‏.‏ تؤخذ من قول جابر‏:‏ الطواغيت كهان، وكذلك قول عمر‏:‏ الطاغوت الشيطان، فإن الطاغوت إذا أطلق؛ فالمراد به شيطان الجن، والكهان شياطين الإنس‏.‏

* الخامسة‏:‏ معرفة السبع الموبقات المخصوصات بالنهي‏.‏ وقد سبق بيانها‏.‏

* السادسة‏:‏ أن الساحر يكفر‏.‏ تؤخذ من قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ من الآية102‏]‏‏.‏

السادسة‏:‏ أن الساحر يكفر‏.‏ السابعة‏:‏ أنه يقتل ولا يستتاب‏.‏ الثامنة وجود هذا في المسلمين على عهد عمر؛ فكيف بعده‏؟‏ ‏!‏

* السابعة‏:‏أنه يقتل ولا يستتاب‏.‏يؤخذ من قوله‏:‏ ‏(‏حد الساحر ضربة بالسيف‏)‏ ‏[‏تقدم ‏(‏ص 507‏)‏‏.‏‏]‏ والحد إذا بلغ الإمام لا يستتاب صاحبه، بل يقتل بكل حال، أما الكفر؛ فإنه يستتاب صاحبه، وهذا هو الفرق بين الحد وبين عقوبة الكفر، وبهذا نعرف خطأ من أدخل حكم المرتد في الحدود، وذكروا من الحدود قتل الردة‏.‏

فقتل المرتد ليس من الحدود؛ لأنه يستتاب، فإذا تاب ارتفع عنه القتل، وأما الحدود؛ فلا ترتفع بالتوبة إلا أن يتوب قبل القدرة عليه، ثم إن الحدود كفارة لصاحبها وليس بكافر، والقتل بالردة كفارة وصاحبها كافر؛ لا يصلي عليه، ولا يغسل، ولا يدفن في مقابر المسلمين‏.‏

* الثامنة‏:‏ وجود هذا في المسلمين في عهد عمر؛ فكيف فيما بعده‏؟‏ ‏!‏ تؤخذ من قوله‏:‏ ‏(‏كتب عمر‏:‏ أن اقتلوا كل ساحر وساحرة‏)‏؛ فهذا إذا كان في زمن الخليفة الثاني في القرون المفضلة، بل أفضلها؛ فكيف بعده من العصور التي بعدت عن وقت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وخلفائه وأصحابه‏؟‏‏!‏ فهو أكثر انتشارًا بين المسلمين، وكلما بعد الناس عن زمن الرسالة استولت عليهم الضلالة والجهالة؛ فالضلالة‏:‏ ارتكاب الخطأ عن جهل، والجهالة‏:‏ ارتكاب الخطأ عن عمد، ولهذا نقول‏:‏ من عمل سوءً بجهالة؛ فهوأثم، ومن عمل سوءً بجهل؛ فليس بآثم، قال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَة‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ من الآية17‏]‏، والمراد بالجهالة هنا ليست ضد العلم، بل ضد الرشد، وهي السفه‏.‏

* * *